[ننشر هنا الترجمة العربية لمقالة بسام حداد التي نشرت على "جدلية" باللغة الإنجليزية في 18 آذار الماضي. وقد أنجز الترجمة مازن حكيم]
يا ليتني حصلت على دولار في كل مرة كتب أحدهم فيها عن "نهاية اللعبة" في سوريا خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية...
بعد حوالي سنتين من انطلاقة الانتفاضة السورية، يجد المحللون أنفسهم يتخبطون بالبحث عن تصور محتمل لسير الأحداث في المستقبل. على أرض الواقع، يقلق معظم السوريين حول سلامتهم الشخصية أكثر من أي أمر آخر. تتغير المعايير بشكل مستمر على ما يبدو، مما يدفع اللاعبين السياسيين والمناصرين والمراقبين على حد سواء بأن يعيدوا الحسابات. هل السبب هو أن القضية السورية مبهمة؟ أم أن العديد أسرعوا في إصدار الحكم قبل أن يأخذوا بعين الاعتبار الطيف الكامل للاحتمالات وللأحداث الطارئة المرتبطة بالساحة السورية –السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمناطقية والعالمية والفكرية؟ تورطنا جميعاً وبدرجات متفاوتة في إساءة فهم ما يجري في سوريا وفي إعادة الحساب.
في بداية آذار/مارس من عام 2011، وقبل بضع أسابيع من انطلاقة الانتفاضة السورية، كتبت مقالة قصيرة في نشرة كارنيجي للإصلاح العربي Carnegie’s Arab Reform Bulletin ("لماذا من المستبعد أن تكون سوريا التالية... حتى اللحظة")، نصحت فيها المراقبين "ألا يحبسوا أنفاسهم" في انتظار سقوط النظام السوري. ومع أنني لا أدعي أنني قد فهمت الوضع السوري بشكل صحيح تماماً، فقد ركزت حينها على بعض العوامل التي تستحق إعادة التذكير بها، والتي من أجلها اعتبرني مناصرو النظام والمنتقصون من قدر الآخرين بأني خرجت عن الموضوع (لن أورد أي ذكرٍ في هذه اللحظة). من ضمن تلك العوامل: عدم تجانس المجتمع السوري الأمر الذي يقوض العمل الجماعي للمعارضة؛ تماسك النظام السوري مما يمنع السيناريوهات المشابهة للطريقتين التونسية والمصرية بحل يشمل خروجاً سريعاً للرئيس؛ العلاقات الراسخة بين المجتمع والدولة في سوريا مما يمنع عزلة اجتماعية للقيادة العليا تشبه الطريقة الليبية؛ وأهمية موقف سوريا المعادي للإمبريالية والذي يقوي النظام خارجياً بالإضافة إلى عدم تأثيره على احتجاجات داخلية محتملة.
ومما لا يمكن إنكاره أنني حصّنت رهاني التحليلي ذاك بالتأكيد على استبعاد قيام انتفاضة جماهيرية أوتوماتيكية أو عاجلة “إلا في حالة وقوع حدث استثنائي مثل ردة فعل مفرطة العنف للنظام تجاه مظاهرة أو حدث آخر" مما سيغير في حسابات الأفراد. إن ردة فعل النظام الوحشية والحمقاء، مع أنها مألوفة وبامتياز، على الأطفال اللذين كتبوا شعارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم في درعا أحدثت هذا التغيير في الحسابات، وجلبت المحتجين للشوارع بالرغم من المخاطر المحتملة (كان على المرء أن يكون مخبولاً ليحتج ضد النظام قبل آذار/مارس من عام 2011). وقد ضمن السحق الوحشي والعشوائي للمحتجين، ومنذ اللحظة الأولى، انتشار الاحتجاجات إلى مدن غير رئيسية في البداية، وفتح الباب أخيراً أمام آلاف الأطراف الخارجية المعادية للنظام بأن تضع رهانها على سوريا. منذ ذلك الحين، فإن الأحداث في سوريا والتحليلات تشبه فيلم بيل موراي "يوم غراوندهوغ Groundhog Day"، ولكن مع الدم والبؤس.
يتطلب كل هذا وقفة منا ونحن ندعي ما ندعيه حول الانتفاضة السورية. فإن أي كلام عن "نهاية اللعبة" أو ادعاء يتضمن سيناريوهات واضحة يعكس سوء فهم للصراع. وللسبب نفسه، فإن أي سرد يبرئ "الثورة" أو يقزّم الصراع إلى مجرد مؤامرة هو منفصل عن الواقع على الأرض. يمر الطريق الأمثل عبر العوامل الدنيوية، (الأكثر عادية) مع الاهتمام للميراث التاريخي المحلي وعلاقة الدولة بالمجتمع والمناورات الإقليمية/الدولية للحصول على موضع.
لا يتعلق الأمر بسوريا فحسب
لم يعد لغزاً بأن الانتفاضة السورية أصبحت أكثر من مجرد انتفاضة سورية. إنها متشابكة مع تناقضات وصراعات المنطقة، ومع لعبة القوى الماكرة والدولية الفعلية. اليوم، تحتضن الانتفاضة السورية وتتعاطى مع العديد من الصراعات والقضايا ذات مضمون إقليمي عميق ودولي إلى حد ما. فهي تتعاطى مع الصراع العربي الإسرائيلي؛ مسألة المقاومة ضد الإمبريالية بشكلها العام؛ مسألة حزب الله (وهي عنوان بحد ذاتها)؛ صراع توازن القوى بين إيران وسوريا وحزب الله من جهة، والمملكة العربية السعودية وقطر ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى؛ التوتر بين السنة والشيعة (والتي تفاقم من شأنها الأطراف السياسية بما يخدم مصالحها)؛ وحديثاً، بدأت تمتزج الانتفاضة السورية ببعدها الإسلامي مع تطورات إقليمية أخرى ليصار إلى احتساب مسألة الإسلام الإقليمي ضمن حسابات الأطراف المختلفة.
من الملحوظ أيضاً بأنها صراع تهتم به الأطراف الدولية وتشارك فيه بدرجات متفاوتة، وأحياناً على شكل "توقف ثم تابع". ونذكر منها الولايات المتحدة والمملكة البريطانية وفرنسا وروسيا والصين. يكفي القول بأن معظم هذه البلدان يهمها بشكل رئيسي، وأحياناً بشكل وحيد، تبعات النتيجة على مصالحها في المنطقة وغيرها. إن مضمون هذه الأبعاد هو أن العديد من الأطراف الفاعلة قد راهنت على الصراع. ومع تطور الأمور داخلياً يقوم الجميع، تقريباً، بتعديل موقفهم مما يعقد بدوره المشهد المحلي. إذاً، في حال كان أحدهم ملتبساً من التطورات في/حول سوريا، فهذا يعني بأنه منتبه ومتيقظ.
المستوى الأول في النقاش
المستوى الأول في النقاش هو رفض المزاعم التي تقدمها أطراف مختلفة ومناصروها حول الصراع. على سبيل المثال، لا يمكننا أن نأخذ على محمل الجد بأن النظام السوري يبحث فعلاً عن حل سياسي يحقق الرغبة الشعبية، ولا ادعاؤه بأن سبب وجود الانتفاضة خارجي منذ البداية. لنفس السبب، لا نستطيع أن نأخذ على محمل الجد بأن الولايات المتحدة مهتمة برفاه الشعب السوري أو بالديمقراطية في المنطقة. تطول قائمة المزاعم، وليس ثمة داع من إحصائها كلها طالما أننا لا نأخذ بهذه الافتراضات غير المبررة. لأنه من دون رفض هذه المزاعم، لا يمكن إجراء حوار جدي حول الاحتمالات أو المخارج/الحلول الممكنة التي يمكن أن تنشأ. قد تكون هذه النقطة بديهية بحد ذاتها، ولكنها تستحق أن نظهرها وبقوة وذلك لكثرة التقارير والتحاليل التي تنبع من تلك المنطلقات. لقد ضلوا الطريق، ومعظمهم أساء فهم سوريا على مدى عامين.
النظام الذي لن يرحل
بالرغم من نزعة التحليلات الأخيرة بما يناقض ذلك، فلا شك بأن الوقت لا يعمل، في الواقع، لصالح النظام. فبغض النظر عن تقويم الحالة العسكرية الميدانية، فإن هناك حقائق أساسية فيما يخص عمق هذا الصراع لا يمكن تجاهلها بعد سنتين من القتل والتدهور. فالمعارضة، بأجزائها وأجنحتها (التي فاقت الـ 200 إلى الآن)، والشعب السوري، بغض النظر عن توزع ولاءاته، لن يرحلوا. أما النظام، وفق شكله الحالي، فهو راحل لا محالة. لم تضمحل قدرته وسلطته كدولة لحكم سوريا (ككل) فحسب، بل ذبلت وبشكل لا يمكن عكسه على المدى البعيد. ولكن يبقى السؤال كيف ومتى وتحت أي ظرف ستتحول أو تتبدد الحالة أو الوضع الراهن للنظام. لا يعني هذا بأن النظام ضعيف أو أنه سيسقط في الشهر القادم. ففي الواقع، فإن الأسابيع الماضية شهدت زيادة في فرص بقائه لمدة أطول قليلاً.
رغم كل الضجيج حول الانشقاقات والانقسامات الداخلية، يبقى النظام متماسكاً على نحو لافت في معاقله وقادراً على قيادة حرب متوسطة المدى باستخدام وحشية متزايدة وإن لم يكن ذلك بفعالية. تبقى خطوط السلطة وحوافز العمل الجماعي واضحة وحاضرة. إنها سفينة تعوم أو تغرق دفعة واحدة، ويعلم ذلك تقريباً معظم قادة النظام. تختلف الأسباب لذلك. فبالرغم من أن المنطق الطائفي يعتبر وجهاً مهماً من أوجه التفسير، فإنه ليس المنطق الدافع الوحيد، كما يحلو للبعض أن يصدقوا، ولم يكن كذلك تاريخياً. في الواقع، لعبت عدة عوامل على تقوية النظام تاريخياً منها: الأقليات، والعلمانية، الخوف من الأسلمة، معاداة الإمبريالية، تراث النظام الذي لا يُقهر، الهوس بالسلطة، عدم الاستقرار الإقليمي، والكوارث (خصوصاً في العراق ولبنان)، وذلك بطرح حجة "أهون الشرين" وإن كان بالإكراه. والأهم من ذلك، لم تحصل المؤسسات التي تكوّن الدولة السورية على استقلالية كافية لتشكل تحدياً جدياً لقيادة النظام.
قبل عام 1970 بقليل، كان حافظ الأسد مهتماً بـبناء قيادة محبوكة بإحكام وبنيان مؤسساتي ذات وقاية داخلية من أي تطورات محتملة مهددة. وهذا يتضمن الجهود والترتيبات والخطط لمنع الآتي: (أ) الاستقلالية المؤسساتية لإدارات الدولة المتنوعة (ب) تطوير مراكز قوة بديلة (ج) تكديس قدر هام من السلطة من قبل أية قوة اجتماعية بما في ذلك المرتبطة مع الدولة (العمال قبل عام 1986، والتجارة من بعد ذلك) (د) منع تحول الثراء الاقتصادي إلى سلطة سياسية. وبالتالي ورث بشار الأسد في عام 2000 دولة عنيفة (في مواجهة المجتمع) وطيعة (من الأعلى). ولكنها وبالتأكيد لم تكن "وراثية" كما افترض العديد من المحللين، وخصوصا قبل وفاة الأسد الأب. ولكن لطالما كان هناك تحذير مؤسساتي.
عند العمل سوياً، كانت القيادة العليا والدوائر المتعددة والأجهزة القهرية التي تشكل الدولة قوية. ولكن، وكما قال المعارض الشجاع والمجاهر برأيه منذ فترة عارف دليلة، فمن دون إقرار القيادة العليا فقد كانت تقريباً جميع القيادات ضمن النظام بما في ذلك المؤسسات التي يديرونها ظاهرياً غير فاعلة على نحو كبير – وخصوصاً فيما يخص تشكيل تهديد داخلي للنظام. وعلى عكس الادعاءات المبسطة لم تكن هذه صيغة علمانية، وعلى المرء أن يتحرى كيف حاك وتلاعب الأسد الأب بالمصالح الجماعية والطبقية والإقليمية والجماهيرية والوطنية خلال العقدين الأوليين من حكمه. تعزز هذا الشأن أكثر خلال الفترة القصيرة بين عامي 1983 و1984 حين خطط ونفذ رفعت الأسد انقلاباً داخلياً في الوقت الذي كان شقيقه الأكبر حافظ الأسد طريح الفراش.
حتى قادة القوى الأمنية كان بالإمكان استبدالهم، غالباً بمساعديهم. ولكن وإلى أن حان موعد إزاحتهم أو إحالتهم إلى التقاعد أو استبدالهم فقد قاموا بالسيطرة على سلطات لا بأس بها. وبالتالي، أصبح اكتساب الشرعية من القيادة العليا (عادة ما يكون ذلك من الرئيس) المكوّن الرئيسي لتفسير قوة المبادرة التي احتفظ بها ومارسها قادة النظام. فبغياب مباركة الرئيس، كانت دوائر الدولة المتعددة تعوزها الاستقلالية والمبادرة. وطالما التقت أولويات القيادة العليا مع أولويات القادة الآخرين في النظام كان الاثنان معاً قويين، وحالما تتباعد هذه الأولويات، يصبح قادة النظام أضعف وبالتالي قابلين للاستبدال.
لهذا السبب، وبينما تطورت الأزمة خلال السنتين الماضيتين، لم يكن معقولاً حصول انقلاب في القصر أو انقلاب داخلي كما في مصر أو تونس. وعلاوة على ذلك، فإن نتائج مثل هذه المناورة لم تكن واضحة أو على الأغلب غير عقلانية إذا أخذنا بعين الاعتبار القوى المحركة في الصراع و التراث الذي تحدثنا عنه للتو والرأي العام فيما يخص المنافسين الآخرين ضمن النظام. يبدو أن النخبة الأساسية تزداد تحصيناً بازدياد دموية ووحشية الانتفاضة.
من الأرجح بقاء واقع الحال على ما هو عليه حتى النهاية، أو قبل آخر مرحلة بقليل. يجب أن نتقبل كلمة "نهاية" بشيء من الشك لأن سقوط النظام كنظام قد يفتح الباب لحرب أهلية علنية تقودها المليشيات وبحيث يشكل فيها مؤيدو النظام وبقايا الأجهزة القمعية جزءاً لا يستهان به. وبالتالي، لا يجب الدمج بين "سقوط" النظام ونهاية الصراع لأن الأحزاب المختلفة في المعارضة ستتصارع على السلطة بوجود أو عدم وجود معاقل البعث.
أرض المعركة
قاد التأرجح الذي نشهده في الإعلام وخلافه فيما يخص مكاسب للنظام و/أو للمعارضة العديد من المراقبين والمراسلين ليسجلوا انتصارات قبل نضوجها وليدعوا أشياء خيالية فيما يخص انتصار وشيك للمعارضة. فضحت التقارير الموثوقة زيف الادعاءات المبالغ بها من قبل المعارضة في الأشهر الثمانية الماضية. لو أردنا الاسترسال في هذا الموضوع لأخذنا القرّاء والمستمعين في رحلة في قصص الخيال. فمنذ أواخر صيف عام 2012، أصبح التقدم الاستراتيجي على الأرض للمعارضة محدوداً، مع بعض الاستثناءات فيما يخص بعض القواعد العسكرية، أو بعض منشآت البنية التحتية، أو بعض المطارات المحلية.
أما بالنسبة لدمشق وحمص وحماة فهي تحت سيطرة النظام بشكل عام على الرغم من محاولات الثوار مؤخراً لاستعادة جزء من حمص. وحتى في حلب، حيت تحاول المعارضة تحصين نفسها في نصف المدينة، فإن مصيرها غير مستقر بعد. في الواقع، فإن تجربة العديد من سكان حلب أثرت بشكل سلبي على الرأي العام بخصوص الجيش السوري الحر ومجموعات المعارضة الأخرى ويعود ذلك بشكل أساسي لعدم قدرتهم على إيجاد بديل للخدمات الحكومية وقليلٍ من الأمن.
بعض الأجزاء الإستراتيجية من دمشق هي تحت السيطرة المطبقة للنظام. ومن المرجح بقاء هذا الوضع على المدى القصير، ولكن ليس من الضرورة إلى مدى أبعد من ذلك، وخصوصا من نضوب القوة الجوية للنظام وأسلحة المعارضة التي تزداد تعقيداً. ومع ذلك، فإن تواجد النظام، ولو كان ذلك بشكل جزئي، في دمشق هو مقدمة لمعركة طويلة ستكون نتائجها حاسمة نوعياً. ولكن، ولكثرة الحوادث غير المتوقعة، أخشى بأن كثرة الكلام تجعلنا نغوص في التخمين فحسب وذلك بغياب المعلومات والدلالات الموثقة.
ومع ذلك، وبمرور الوقت، تكسب الجماعات الإسلامية والمجموعات المشابهة للقاعدة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام مناصرين جسورين وتصبح أفضل تدريباً وانضباطاً بشكل مطرد. ولكن تلك التطورات تشكل سيفاً ذا حدين: فنمو القوة العسكرية لمثل هذه المجموعات يصعد، ولو بشكل غير مقصود، من سلطة النظام السياسية لأن القوى الإقليمية والدولية تأخذ برهة كرد فعل على راديكالية المعارضة. بالمقارنة مع الجيش السوري الحر فإن هذه المجموعات لديها بنية سلطوية قيادية وخطوطاً أوضح للأوامر والسيطرة وكذلك إيديولوجية لتدفعها. تعني مراقبة أرض المعركة في سوريا اليوم الأخذ بالحسبان لدافعين اثنين: معارضة النظام بشكل عام، والتطورات/التقطيع/التناغم/التقسيم المتنوع في المعارضة.
على أية حال، فإن التشبث بوجهة النظر والتكهن حول التقدم أو التراجع هنا وهناك قد أصبح مصدراً للتقارير والتحليلات غير المسؤولة. عندما ننظر إلى الأمر من على بعد يصبح المشهد أكثر وضوحاً: لقد وضعت العلامات على أرض المعركة وفقاً للتحصينات وليس وفقاً لمكاسب مهمة لأية جهة منذ شهور. إن مزيداً من الحديث حول هذا الأمر، أو التعمق في النقاش حول مقاطعة علوية في الشمال الغربي في سوريا بعد سقوط دمشق، أو الحديث عن انفصال بين الشمال والجنوب كل هذا كلام سابق لأوانه.
المعارضة
أظهر انقسام المعارضة الفارق بين قوة النظام وضعف المعارضة ببعديها الداخلي والخارجي. هذه الحقيقة، مضافاً إليها الدعم المبكر من أطراف خارجية واستمرار وحشية النظام، دفع المعارضة نحو اليمين وأنشأ فراغاً من الإحباط ملأه متطرفون إقصائيون بامتياز وباتوا يشكلون الآن رأس الحربة للمعارضة العسكرية إن لم يكن جوهرها أيضاً. كما أنه فتح الباب للتطفل الخارجي. تسبب هذه القناة الظلامية للمعارضة الكثير من الارتباك والذعر بين مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية.
وأظهرت الحوادث مؤخراً الازدياد المطرد في التوتر ما بين هذه المجموعات وما يسمى بالجيش السوري الحر. جدير بالذكر أن الجيش السوري الحر، إلى الحد الذي يمكن اعتباره جسماً مؤسساتياً، قد شهد انخفاضاً متواصلاً في نجاحاته في القسم الأخير من عام 2012. فقد أدى غياب سلطة محلية ومركزية للجيش السوري الحر وصعود الفصائل الإسلامية العسكرية المتجذرة إقليمياً إلى رجحان الكفة، على الأقل فيما يخص التماسك التنظيمي في الفصائل غير المنتمية للجيش السوري الحر. كشف هذا أيضاً التطور الضعيف والمرتجل للجيش السوري الحر قبل انحلاله التدريجي كقوة مركزية يحسب حسابها.
بما أنه لا يبدو أن للمعارضة الخارجية تأثير فعال في سوريا فأهميتها أقل في الوقت الراهن بغض النظر إن كانت تتلقى الدعم وإلى أي مدى من قوى إقليمية ودولية. قد يُحدث الدعم الزائد لها أثراً عكسياً إذا أخذنا بعين الاعتبار تأثيرها المحدود داخل سوريا، ويُنظر للدعم القليل بتجهم كدلالة على التعاطف وليس إلا. في الحقيقة، فإن مركز ثقل الصراع يبقى محلياً، وتشبه الساحة الداخلية صندوقاً أسوداً يفاقم من وضعه التقارير الإعلامية الضعيفة و/أو المضللة. ومع ذلك يستمر البعض في ترتيب النفوذ والثقل في غير موضعهما على المجموعات والتحالفات والقيادات الخارجية.
إن مناقشة واقتفاء أثر سياسات المعارضة الخارجية غير مجدٍ. سواء أكان المجلس الوطني السوري المطوّق والتابع بشكل استثنائي أو كان الائتلاف الوطني السوري الحديث نسبياً والمدعوم من دول مجلس التعاون الخليجي، فإن علاقتهم بمسار الصراع قد تم حجبها بلا جدال من قبل المعركة على الأرض في سوريا، وبشكل جلي من قبل النقاشات في أروقة القوى العظمى وغيرها. ومع ذلك، لا يجب صرف النظر عن الائتلاف المشار إليه –كما فعل العديد منا، وبشكل محق ومبكر، مع المجلس الوطني السوري– وخصوصاً بالنسبة للسيناريوهات المستقبلية حيث قد يلعب دوراً هاما في موازنة القوى بين المنتصرين الداخليين في حال تنوعهم الراديكالي.
وأخيراً، القضية التي لا يتم الالتفات إليها بما فيه الكفاية في كل مكان تقريباً (ما عدا في داخل سوريا) وهي استمرار تهميش المكون غير العسكري للانتفاضة السورية، والتي تنبئ بسوء للسيناريوهات لما بعد الانتفاضة. فمع أن جميع هذه المجموعات تستمر في معارضة النظام، فإن بشاعة الانتفاضة وسلوك بعض مجموعاتها تحد من اندفاع المعارضة في بعض المناطق وتدفعها باتجاه الركود. إن النقطة الأكثر أهمية هنا أن تهميش المكون المدني هذا يكشف مدى تراجع أولوية التغيير الحقيقي والديمقراطي في سوريا لدى كل الأطراف في سوريا، وأعني الأطراف الإقليمية والدولية على كل الجهات. أخشى أن هذه المقالة تعطي غفراناً سريعاً لمثل تلك المعارضة، وذلك بسبب، وإلى حد بعيد، أن ما يمكن أن يُكتب عنها من خارج سوريا محدود بالنسبة لما يتم تسجيله على الأرض وهذا يعوزه الكثير نسبياً.
المجتمع السوري: التأرجح على الحافة
مهما تابعنا الأخبار السورية بدقة، فمن الصعب أن نحصل على صورة ثلاثية الأبعاد لكيفية تدبر الناس لأمورهم داخل سوريا من دون تواصل مع أولئك اللذين يعيشون هناك. من لديه عائلة وأصدقاء هناك يعلم جيداً المدى الذي أثر به هذا الصراع على السكان، والذي يتخطى السياسة. لا شيء أفضل يصف حالة السوريين العاديين من كلمة إنهاك. سواء من خلال المدونات أو التقارير من الداخل أو المقابلات والاتصالات على الراديو أو الشهادات المباشرة فلا يمكن أن يغفل المرء عن حقيقة كون السوريين استوعبوا تبعات تعقيد الحالة. قلّص هذا الأثر من التوقعات وحماسة شرائح واسعة من الجمهور. أصبح معظم مؤيدو النظام أقل تطرفاً اليوم، وأصبح معظم أنصار الانتفاضة، داخل سوريا وخارجها، أقل سذاجة بالنسبة "للثورة"، حتى ولو كانوا عنيدين ومستمرين في طريقهم.
معظم الثوار غير الإسلاميين يؤجلون، متعمدين، نقاشاً أو نقداً "داخلياً" لشركائهم الإقصائيين في "الثورة" لما بعد سقوط النظام. يرجئ السوريون غير الإسلاميين وكذلك المناهضين للإسلاميين هذه المهمة في هذه المرحلة، كما حصل مع العلمانيين (وهم مجموعة مختلطة ومشاكسة) اللذين اصطفوا مع الإسلامي محمد مرسي ضد المرشح أحمد شفيق المؤيد لمبارك في انتخابات مصر الرئاسية ومن ثم حاربوه بعد ذلك. إلا أن الحرب في مصر كانت ولا تزال منظمة أكثر بكثير مما هو عليه في سوريا. وأجادل بأن سيبقى الحال هكذا في المستقبل.
أما بنيوياً، فإن خطوط التصدع بقيت كما هي دون تغيير يذكر. فمجموعات الأقليات بمجملها معارضة للمعارضة، ولكن تشاركها الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة المكونة من السنة أصحاب النفوذ، سواء كان مرتبطين بالنظام بشكل مباشر أم لا. يستمر العديد من السوريين بمعاينة هذا الصراع على أنه نهوض المهمّشين ضد المجموعات والطبقات البارزة سياسياً واقتصادياً، وهذا موقف يزيد من حظوظ النظام في المدن الكبرى إلى الحد بأن يتفاقم هذا التناقض بسبب الفوضى والتطرف من قبل المعارضة فيما يخص مسألة الطبقات وغيرها. يضع هذا المشهد مجموعة الأقليات المحرومة، بما في ذلك العلويين، في حالة خسارة/خسارة. لأنهم وكمجتمع وبغالبيتهم العظمى لم يستفيدوا من الترتيبات السياسية الاقتصادية ومن الأرجح أنهم لن يستفيدوا من تلك القادمة.
بالمقابل، وبينما يستمر النظام والمعارضة في النفخ في نار البعد الطائفي للصراع، يجد معظم السنة أنفسهم متمترسين في صفوف المعارضة، ولكن بدرجات متفاوتة من الدعم للفصائل الصاعدة المتنوعة كما سبق وناقشنا. من المهم أن نحذر بأنه لا يمكن اعتبار هذه التقسيمات دليلاً على أن الصراع طائفي بحت. ومع أن مثل تلك الادعاءات يزداد الاعتماد عليها بالاستناد لما يجري على الأرض إلا أنها مختزلة إلى حد كبير وتستبعد أبعاداً أخرى للصراع والتي هي سياسية واجتماعية وإقليمية (داخلياً) واقتصادية بشكل جلي. ومع ذلك، فإن الورقة الطائفية مفيدة بشكل هائل لكلا المعسكرين لحشد مناصريهم ولتعزيز وسائل التهويل. كل ما يتم بناؤه يمكن أن يصبح حقيقياً بسرعة فائقة ولكنه يمكن أيضا أن يضمحل مع مرور وقت كافٍ.
وأخيراً، فإن ناتج مجموع التقسيمات المتنوعة في المجتمع السوري فيما يخص الطبقات والطوائف والأديان والتحزبات السياسية والإيديولوجيا تستمر في العمل لمصلحة النظام لأنها تقوض الأشكال الفعالة للعمل المشترك الواسع ضده. ومما يفاقم هذه الخصائص البنيوية الظاهرية حقيقة بأن السوريين لم يكونوا معتادين أو لم يكن مسموحاً لهم على إنشاء تنظيمات سياسية. وبالتالي فإن فن التسوية يتم تطويره وتعلمه في جو متقلب حيث لا يوجد متسع من الوقت أو الترف للمساومة. فوجود أكثر من مائتي فصيل في المعارضة هو دليل بيّن ولعنة بالنسبة للمعارضة.
أما على الجانب الإنساني فيقترب الكثير من السوريين من حافة الهاوية على مستويات عدة: نفسياً وعاطفياً واقتصادياً. سواء بسبب موت أكثر من سبعين ألف سوري أو بسبب النزوح الداخلي وأزمة اللاجئين، بالإضافة إلى الأزمة الإنسانية الداخلية لأولئك اللذين لم يعد باستطاعتهم أن يعيلوا أنفسهم فإن السوريين يقتربون من حدٍ مخفي يمكن أن يظهر في حال استمر الإحباط والعنف.
المسرح الإقليمي والدولي. ليس ثمة طريقة لتوضيح الموقف الحقيقي للأطراف الإقليمية والدولية. لقد كُتب الكثير وأُعيد كتابته حول هذا الموضوع. فعادة ما يكون سلوكهم موظفاً عبر مزيج من المصالح الذاتية والنتائج المرجوة ومواقف حلفائهم.
تخشى أنظمة مجلس التعاون الخليجي وبشكل مطرد النزاع الطائفي والإسلام الراديكالي الذي يهدد أصقاع المنطقة شبه المستقرة. ولذلك نجد الخطاب والدعم القطري والسعودي الفاترين مؤخراً للمعارضة—ولكن لا يعني هذا أبداً توقف الدعم. في الواقع وتحت الظروف الملائمة--وخاصة في حال ضعفت قبضة النظام--فسيستأنف هذا الدعم ويفوق بحجمه المستويات السابقة. تتأثر معظم هذه البلدان بموقف الولايات المتحدة حول الأمر، والذي يتأرجح بتردد أو على الأقل يتظاهر بذلك. ما يدفع هذا التردد من جانب الإدارة الأمريكية ليس الخوف من النزاع الطائفي بل من اتجاه الانتفاضة الذي لا يكن التنبؤ به وعوامل أخرى مرتبطة بسياسة الولايات المتحدة الخارجية مؤخراً.
ويلعب القلق بخصوص "أمن"* إسرائيل دوراً هاماً في التخفيف من حدة خطاب الولايات المتحدة. يتدرج هذا القلق من الخوف سقوط الأسلحة الكيميائية في الأيدي "الخطأ" إلى الهلع بخصوص تنامي المجموعات المشابهة لجبهة النصرة. ولكن وبشكل بنيوي، يبزغ القلق من ظهور دولة ناشئة لا تستطيع حماية الحدود الشمالية لإسرائيل أو تسيطر على مواطنيها بشكل وافٍ لمنع تشكيل مجموعة مقاومة تشبه حزب الله. أسمي هذه الظاهرة "حنين إسرائيل للماضي مع الأسد". من المثير للاهتمام أن قلق إسرائيل يلطّف من مواقف بلدان مجلس التعاون الخليجي المتشددة. ترغب إسرائيل بدولة وقوة عسكرية ضعيفتين حينما يتعلق الأمر بالنسبة لتهديد عسكري حقيقي لإسرائيل في السنوات القادمة، وقويتين حينما يتعلق الأمر بالسيطرة على الشعب. هذا يعني بأن المنطقة التي لا يمكن التنبؤ بها هي مصدر حقيقي للقلق ولإعادة حساب، ولقد تمترس الواقع السوري في هذه المنطقة. (*تشير علامات الاقتباس إلى التهكم بخصوص دولة عدوانية بامتياز وتقلق على أمنها، وحيث يشير الأمن إلى استمرار السياسات العنصرية ضمن المناطق التي تسيطر عليها).
أما إيران ورغم خطابها التحذيري المفتوح والمتكتم تجاه النظام السوري، فإن لديها الكثير لتخسره بسبب ضعف النظام السوري. موقفها هو الأوضح ولم يتذبذب كثيراً منذ اندلاع الانتفاضة. ومن الجدير ذكره، أن إيران حذرت الأسد مرات عديدة ومنذ وقت باكر ضد خطورة استخدام العنف المفرط وذلك لعلمها بأنه من ضد مصلحتها أن تحاوط سوريا نفسها بالنيران. من جهة أخرى فإن تركيا كانت مهتمة بشكل أقل بمثل هذه النتائج في البداية. ولكن مع مرور الوقت أدركت القيادة التركية بأن أملهم بسقوط سريع للنظام لن يتحقق، وبأن صراعاً يطول أمده مع نظام مستعد للعب الورقة الكردية في شمال شرق سوريا قد يرتد ناره عليها. ومع أنه لم يتغير من حيث المبدأ، فإن تركيا لطّفت من موقفها مؤخراً، كما فعلت معظم الأطراف الخارجية المتورطة.
أما بالنسبة لروسيا، فيجب أن نركز على الأساسيات، أي أنه من غير المرجح أن تتخلى روسيا عن النظام حتى اللحظة الأخيرة، وبالتالي من المرجح أن تكون معنية بنتيجة تحفظ القليل من سلطة النظام، وما يعنيه ذلك من حفظ لرافعتها في سوريا ولبنان. ومع أن روسيا لن تغير موقفها ودعمها بشكل ملموس بخصوص سوريا لما يمكن أن يحمله ذلك من نتائج ملموسة إلا أنها تستطيع تغيير خطابها لدفع الأسد باتجاه حل سياسي. ليس هناك الكثير مما يمكن قوله بخصوص الصين باستثناء أنه ومنذ تصويتها السلبي في الأمم المتحدة لدعم النظام السوري فقد خرجت من المشهد حتى إشعار آخر. لم يتغير موقفها بشكل واضح منذ ذلك الحين وليس من المرجح تغييره حتى اللحظة الأخير لربما.
ملاحظات ختامية
إن مأساة سوريا تكمن بأنها مأساة: فهي تزداد اتساعاً كل أسبوع بينما يتمزق نسيج الدولة والمجتمع بشكل تدريجي. ننسى أحياناً أنفسنا في التفاصيل الإستراتيجية والتحليلية بينما تزهق الأرواح بشكل مستمر. بالنسبة لكل أولئك اللذين يملكون سلطة حقيقية تصبح المسألة مسألة يصعب، وبشكل مطرد، معرفة بأي اتجاه يجب الدفع لتحقيق المصالح الذاتية لها. ثمة شيء واحد مؤكد؛ من الأرجح أنه لن تحقق أي من المجموعات التي تستحوذ على السلطة اليوم مصلحة غالبية الشعب السوري، داخل سوريا وخارجها.
لا يُمنح المحللون، بما فيهم أنا، العفو. كلنا نشارك في تكوين إدراك يشكل الواقع وأحياناً يشكل السياسة. ومع ذلك فإننا نخطئ فهم سوريا أكثر مما نصيب، ويعود السبب المباشر لهذا التمترس لتفسيراتنا حول الأحداث بدلاً من التراث والتاريخ المفهوم الحركي لإستراتيجية أرض الملعب. ولكن ليس كل شيء ضبابي وغير واضح.
بعد حوالي سنتين من الانتفاضة، لم يعد النظام بنفس القوة التي كان عليها ولا يسيطر بشكل تام على أكثر من نصف مساحة سوريا، ولكنه قائم. ومع ذلك فلقد فقد القدرة لحكم "سوريا" كما كانت عليه سابقاً، ولكن لم يفقد بالضرورة قدرته على تشكيل كيفية حكم سوريا في المستقبل في حال انتصر الأفراد الأكثر عقلانية بين قادة النظام. في هذه المرحلة، فمن مصلحة النظام انتصار الأفراد الأكثر عقلانية. شهدت الفترة التي تلت كانون الأول/ديسمبر من عام 2012 انبعاث ثقة وزخم جديدين من الناحيتين السياسية والعسكرية بالإضافة إلى مؤشرات بالذعر الحقيقي من الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للانتفاضة. لن تدوم هذه الحالة لفترة طويلة. وطالما أن هذه النافذة مفتوحة يبقى السؤال هو هل سيذعن النظام لمثل هذا المنطق (الذي قد يكون على سبيل المثال أفضل سيناريو للحفاظ على أمن المجتمع العلوي) أم أن مزيجاً من السُّكْرِ مع ميراث من عقود في السلطة والخوف من الإبادة سيدفعه للقتال حتى الموت؟ هل سيأخذ النظام بعين الاعتبار مصلحة المجتمع العلوي المحصّن للمعركة والذي سيتم توريطه، وإن كان ظلماً، بسبب عقود من قمع النظام؟ هل سيعتبر المعركة الأكبر ضد الإمبريالية بأنها الجائزة الحقيقية وذلك بالحفاظ ما يمكن الحفاظ عليه مما تبقى من سوريا؟ هل سيحاول النظام السوري حماية حزب الله من التبعات الإقليمية لانهياره التام؟ والأهم من ذلك، هل سيجنب سوريا والسوريين وكذلك القدرات العسكرية السورية معركة حتى الموت (لكل الأفراد ولكل الأشياء).
تشير التجارب السابقة لحقيقة بأن هذه كانت في وقت ما أحد تفضيلات النظام السوري، ولكنها لم تكن أولويات غير مشروطة. لم يتفوق شيء مطلقاً على حفاظ النظام على نفسه عبر العقود الماضية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعته المترابطة، فلطالما كان الأمر بالنسبة له كل شيء أو لا شيء. سواء تعلق الأمر بابتعاده عن الليبرالية الجديدة وغير المضبوطة في سياسات العمل وإعادة التوزيع واتجاهه نحو الاستئجار والرأسمالية الركيكة، أو الطريقة التي وزع النظام الموارد من خلالها، أو مشاركته في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الذي شرع في تدمير العراق (وليس النظام العراقي) في عام 1991 فإن منطق الحفاظ على الذات قد علا فوق كل شيء. إنه يملك الآن فرصة سانحة لتجنيب سوريا المزيد من الدماء والحفاظ على القليل من المصلحة الوطنية في حاله تحرك بعزم نحو حل سياسي حقيقي. لن يكسب النظام السوري ومؤيدوه أي شيء من استمرار القتال سوى بصيص الأمل بأنهم سينتصرون بطريقة ما، يتواجد هذا احتمال بشكل رئيسي وحصري في عقول أسياد النظام. يجب أن تُعزِّز الخلافات حول اتجاه سير المعارضة مع تطرفها وأسلمتها ومن يقف خلفها الحاجة للعمل حالاً لا أن يتم اللجوء للمماطلة والرهان.